وليكم تكمله الفصل الاول من فادي
أجابت بمودة ساخرة : " جاكتة ؟ يالك من امرأة قديمة الطراز ." وكانت مدبرة المنزل تسكب لنفسها كوب عصير فسكبت فينيتيا لنفسها واحداً وهي تتابع : " انه على كل حال مساء جميل ودافئ وأنا لا اشعر بالبرد مطلقاً ." فقالت بوتي بحدة وهي مازالت ترمق ثوب الفتاة باستياء : " أن حرارة الجو ليست هي التي تهمني . ولكن منظرك غير لائق ماذا سيظن بذلك والدك المسكين ؟ ولا أقول ابن عمك ؟ أن تصور ذلك يجعلني ارتجف ! آن الشيء الذي ترتدينه لا يليق بك ."
ارتسمت على شفتي فينيتيا ابتسامة ماكرة وهي تفكر آن هذا بالضبط ما كانت تهدف إليه . وتجاهلت تذمر بوتي الذي لاينتهي وحملت كوبها في يدها وخرجت إلى الشرفة . كان هواء المساء الدافئ عابقاً بأريج الورود ، وكان يلامس بشرتها برقة . وكان منظر نافذتي غرفة المكتبة المفتوحتين اللتين كانت تراهما من حيث تجلس ، اكثر مما تحتمله أعصابها .
لم تحلم قط بأن تقاطع مرة أباها أثناء أحاديثه العملية الخاصة في المكتبة. فقد كان احترامها له اكبر من آن يسمح لها بذلك ولكن حاجتها إلى أن تمتع ناظريها بمنظر كارلو الجذاب ، وان تريه نفسها كامرأة ناضجة ، كان كل هذا أقوى من أن تستطيع مقاومته بهذه اللحظة .
آن كعب حذائها العالي ، جعلها تمشي دون وعي منها ، بشكل متمايل وهي تتوجه نحو غرفة المكتبة المبطنة الجدران بالكتب ، وعلى شفتيها ابتسامة هادئة وأهدابها السوداء الكثيفة منسدلة على عينيها وهي تقول بصوت أبح
: " آن المساء اجمل من آن يضيع سدى بين الجدران ، آلا تريدني آن أريك الحديقة يا كارلو ؟ ."
التقت عينيها بعينيه متحدية وتصاعدت خفقات قلبها وهو ينهض من على المقعد الجلدي . لقد كان هو ايضاً مرتدياً بذلة العشاء التي كانت عبارة عن الجاكيت الرسمية السوداء المعتادة والقميص الأبيض . واخذت عيناه الرائعتان تتفحصان عينيها لحظة طويلة ، بنظرات يقظة متسائلة ثم التمعتا بينما لاحت على شفتيه شبه ابتسامة وذلك كجواب على تحديها الخفي ذاك .
ولمحت بطرف عينها أباها ينهض أيضاً من على كرسيه خلف مكتبه الضخم المكسو بالجلد ، شاعرة بعدم رضاه لمقاطعتها لهما . ومن يدري ؟ ربما خمن السبب في هذا . وصرفته عن ذهنها الذي كان مركزاً فقط على عيني كارلو وهما تقيمان ثوبها .
واستدار إلى أبيها الذي بدت على جانبي فمه ابتسامة خفيفة وهو يقول : " لم لا ؟ وربما ستأتي أنت معنا يا سيدي فالمساء رائع كما تقول فينيتيا ."
وتنفست بارتياح عندما أجاب الرجل المسن قائلاً ببطء : " كلا اذهبا أنتما ، وأري كارلو الحديقة المائية يا فيني ولا تنسي الوقت فأن بوتي ستقدم العشاء في خلال ساعة ."
أجابته فينيتيا با بتسامة مشرقة : " كلا لن أنسى ذلك . " وقطب أبوها جبينه بحيرة وهي تتقدم إلى جانب كارلو متجهة به نحو الباب الخارجي .
كانت كلماته غامضة متكلفة في مضمونها وهو يقول : " أليس من الأفضل آن تتركي من يدك كوب العصير وتشربيه فيما بعد ؟ فلا أحد سيسرقه منك ."
وكأنها طفلة لم يستطع آن يغريها بقطعة حلوى لكي تذهب , رفضت أن تهزم فوقفت على قمة السلم ومنحته ابتسامة مسرعة وهي تقول له بصوت رقيق : " يمكنك أن تسرق مني أي شيء في أي وقت تشاء ." ووضعت حافة الكوب على شفتيها وعيناها تتألقان بين أهدابها السوداء .
وقال فجأة : " فلنذهب إلى حديقة الماء أذن ." وهزت كتفيها بخفة وقد كرهت هذا الشعور الجديد بعد الثقة . وأخذت تراقبه بعينين غائمتين وهو يضع الكوب باحتراس على حافة الدرابزين ثم يهبط الدرجات إلى الحديقة . تمالكت نفسها ، ثم لحقت به مسرعة مما جعل أحد كعبي حذائها يلتوي .
سألها : " لا أظنك ارتديتِ هذه الملابس لتخرجي بها ! ." وكان صوته من فولاذ ملفوفاً بالحرير وهو ينحيها جانباً بيدين ثابتتين .
استعادت توازنها بشكل كافٍ لتقول له بصوت خافت : " هذا هراء أنها نزهة فقط لقد دخل كعب حذائي في شرخ بين الأحجار ما أسخف هذا . " وتعلقت بذارعه بمثل الشدة التي امسكها هو بها ثم سارا في الممر المرصوف بالحصى .
كان في إمكانها آن تشعر بانسحابه ، وكأن ابتعاده المتعمد ذاك يقصد به ترساً يحتمي وراءه . ولكن هذا لم يقلقها في الواقع . ولماذا تقلق بينما كان في إمكانه آن يستدير عائداً إلى البيت رافضاً الاستمرار في السير لرؤية الحديقة ؟ ولكنه لم يرفض ،
وشعرت بالبهجة لذلك . لقد بقي بجانبها وكان يسير بخطوات قصيرة لتتلاءم مع خطواتها . ابتسمت لنفسها وهي تلقي نظرة خاطفة على جانب وجهه بخطوطه الحازمة المتعالية . انه لم يكن يستغفلها لقد أحست بشيء يختلف كثيراً عن مشاعر القربى وهو يقيم شكلها كما انتابها ذلك الشعور الخلاب بصلة القربى بينهما الذي كان من القوة بحيث لم يكن من المعقول أن لا يكون قد انتبه أليه .
قالت بصوت خفف من حدة الصمت بينهما : " ذاك هو المكان تقريباً ." كانت تريد أن تبين له أنه كان على حق عندما قال أنها لم تكن مرتدية ثيابها للخروج ذلك آن التنورة والكعب العالي لم يكن ليسمحا لها بأن تخطو على تلك الممرات المرصوفة بالحصى أو على المروج الخضراء .
وتابعت كلامها تسأله : " كم ستمكث هنا ؟ ." كانت تكلمه وهي تهبط باحتراس الدرجات الحجرية المغطاة بالطحالب تحت قنطرة في سياج الأشجار العالي الذي يفصل بين الأراضي .
أجاب : " أسبوعين أو ثلاثة ." ورفع كتفيه بعدم اهتمام ولكنها تجاهلت هذا . فإذا كان يتعمد إظهار عدم اهتمامه بها فهي كذلك ستتعمد أن تظهر له أنها لم تلحظ حيلته تلك .
قالت : " انه وقت كاف لكي أريك كل شيء ." ونظرت أليه بعينين تومضان ببارقة أمل إزاء ملامح وجهه العديمة المشاعر وهي تتخيل النزهات الطويلة في الريف وتناولهما العشاء في المطاعم ، وربما رحلات بالسيارة في جبال ويلز .
وسألها : " هل مازلت تذهبين إلى المدرسة ؟ أم انكِ تعملين ؟ " وانتظر بأدب إلى أن هبطت آخر درجة حجرية ، حتى أجابت بمرح : " المدرسة ؟ طبعاً لا ."
متظاهرة بهذا الجواب بأن أيام الدراسة هي ألان ذكرى غائمة بعيدة ،
لا تريد آن تخبره بأن آخر امتحان لها كان منذ ثلاثة أسابيع فقط ، فتذكره بذلك بعمرها الصغير وتابعت تقول : " انظر ها أننا وصلنا . " وكانا قد دخلا كهفاً مليئاً بصوت ورائحة الماء .
ولكن ، لم يبد عليه الاهتمام بحديقة الماء هذه . وألقى عليها نظرة باردة من عينيه السوداوين وهو يسألها :" هل أنت مصممة على العمل ؟ ربما مع الشركة ؟" فأجابت مقطبة جبينها وهي تعض شفتها السفلى :" آه من يعلم ؟ دعنا من الحديث في هذا الموضوع ." ولماذا تضيع الوقت في احتمال عملها في شركة أبيها ، في الوقت الذي لا تريد شيئاً سوى أن تمضي بقية حياتها معه ؟.
نظرت في عينيه بتردد فلم تجد شيئاً سوى عدم الاهتمام والبرود وشعرت في قلبها بطعنة ألم . فهو لا يشعر نحوها حتى بالإعجاب . أتراها عاشت حياتها تحصل على كل شيء تريده دون مجهود لكي تحرم ألان أهم ما تتوق أليه وما تعتبره فوق كل شيء آخر ؟
ارتجفت وهي تشعر بالبرودة تنفذ إلى عظامها واغرورقت عيناها بدموع الخزي قال لها كارلو وقد التوت شفتاه بشبه ابتسامة مرحة : " ان المكان هنا رطب كان عليك أن ترتدي فراءك و أظنك تملكين زوجاً على الأقل ؟ "
ردت عليه بحدة : " املك ستة منها تبعاً لاخر إحصاء ." فقد شعرت بالألم إزاء سلوكه المتعالي الساخر هذا ، ولم تشأ آن تتنازل بأن توضح له أنها تكره الفراء من كل قلبها وأنها تراها ملائمة للحيوانات . لقد استحال اضطراب مشاعرها الذي تملكها منذ وقعت عيناها عليه إلى كراهية محمومة . وانقبضت يداها حتى غرزت أظافرها المصبوغة في راحتيها وقابلت اللوم المتسائل الذي حوته نظرته إليها بعداء واضح إلى آن داخلها الألم . وانعكس شعورها بأنها جرحت في الأعماق من عينيها وهي تخفض بصرها محاولة آن تكبح دموعها المحرقة . لم تكن تعني آن تتطور الأمور بهذا الشكل مطلقاً ! وعاد إليها الشعور بالبرودة الذي لم يكن نتيجة لبرودة الجو أو رطوبته أو البحيرة الساكنة أو الصخور ذات الطحالب ... استدارت بسرعة فالتف شعرها الحريري حول كتفيها وهي تعمل خطواتها نحو الدرجات بينما قلبها يخفق وقد انتابتها غصة في حلقها ولكنه أوقفها عن السير وهو يديرها نحوه بيديه الكبيرتين لتواجهه قائلاً : " إذا أنتِ مشيتِ بهذه السرعة فستقعين وتكسرين رقبتك أو تتلفين حذائك الجميل على الأقل . " وتغير صوته فأصبح أجش وهو يراقب تفاعل مشاعرها على ملامحها الشاحبة لتعصف بعنف في أعماق عينيها الجميلتين .
قالت : " أنني ..... " ولكنها لم تستطع متابعة الكلام وخفضت أهدابها . قال بصوت خشن وقد توتر فمه : " لم اكن اقصد آن أسيء إليك ."
وارتفعت أهدابها إليه وقد تملكها الاضطراب وما رأته في تلك العينين السوداوين جعل قلبها يكف عن الخفقان ورأته يغمض عينيه وسمعت آهة خافتة تخرج من أعماقه ، ثم قال : " هيا بنا قبل أن نتأخر عن موعد العشاء . هيا يا فتاتي الطيبة ."
ومالت فينيتيا برأسها ترمقه بنظرة ظافرة طويلة ثم منحته ابتسامة جذابة وهي تتبعه دون اعتراض . ربما كان يعتبرها فتاة صغيرة . قريباً قريباً جداً ستتمكن من هزمه لتجعله يبدل رأيه فيها .
مع تحياتي للجميع المشرف :فـــــــــــــــــــادي
أجابت بمودة ساخرة : " جاكتة ؟ يالك من امرأة قديمة الطراز ." وكانت مدبرة المنزل تسكب لنفسها كوب عصير فسكبت فينيتيا لنفسها واحداً وهي تتابع : " انه على كل حال مساء جميل ودافئ وأنا لا اشعر بالبرد مطلقاً ." فقالت بوتي بحدة وهي مازالت ترمق ثوب الفتاة باستياء : " أن حرارة الجو ليست هي التي تهمني . ولكن منظرك غير لائق ماذا سيظن بذلك والدك المسكين ؟ ولا أقول ابن عمك ؟ أن تصور ذلك يجعلني ارتجف ! آن الشيء الذي ترتدينه لا يليق بك ."
ارتسمت على شفتي فينيتيا ابتسامة ماكرة وهي تفكر آن هذا بالضبط ما كانت تهدف إليه . وتجاهلت تذمر بوتي الذي لاينتهي وحملت كوبها في يدها وخرجت إلى الشرفة . كان هواء المساء الدافئ عابقاً بأريج الورود ، وكان يلامس بشرتها برقة . وكان منظر نافذتي غرفة المكتبة المفتوحتين اللتين كانت تراهما من حيث تجلس ، اكثر مما تحتمله أعصابها .
لم تحلم قط بأن تقاطع مرة أباها أثناء أحاديثه العملية الخاصة في المكتبة. فقد كان احترامها له اكبر من آن يسمح لها بذلك ولكن حاجتها إلى أن تمتع ناظريها بمنظر كارلو الجذاب ، وان تريه نفسها كامرأة ناضجة ، كان كل هذا أقوى من أن تستطيع مقاومته بهذه اللحظة .
آن كعب حذائها العالي ، جعلها تمشي دون وعي منها ، بشكل متمايل وهي تتوجه نحو غرفة المكتبة المبطنة الجدران بالكتب ، وعلى شفتيها ابتسامة هادئة وأهدابها السوداء الكثيفة منسدلة على عينيها وهي تقول بصوت أبح
: " آن المساء اجمل من آن يضيع سدى بين الجدران ، آلا تريدني آن أريك الحديقة يا كارلو ؟ ."
التقت عينيها بعينيه متحدية وتصاعدت خفقات قلبها وهو ينهض من على المقعد الجلدي . لقد كان هو ايضاً مرتدياً بذلة العشاء التي كانت عبارة عن الجاكيت الرسمية السوداء المعتادة والقميص الأبيض . واخذت عيناه الرائعتان تتفحصان عينيها لحظة طويلة ، بنظرات يقظة متسائلة ثم التمعتا بينما لاحت على شفتيه شبه ابتسامة وذلك كجواب على تحديها الخفي ذاك .
ولمحت بطرف عينها أباها ينهض أيضاً من على كرسيه خلف مكتبه الضخم المكسو بالجلد ، شاعرة بعدم رضاه لمقاطعتها لهما . ومن يدري ؟ ربما خمن السبب في هذا . وصرفته عن ذهنها الذي كان مركزاً فقط على عيني كارلو وهما تقيمان ثوبها .
واستدار إلى أبيها الذي بدت على جانبي فمه ابتسامة خفيفة وهو يقول : " لم لا ؟ وربما ستأتي أنت معنا يا سيدي فالمساء رائع كما تقول فينيتيا ."
وتنفست بارتياح عندما أجاب الرجل المسن قائلاً ببطء : " كلا اذهبا أنتما ، وأري كارلو الحديقة المائية يا فيني ولا تنسي الوقت فأن بوتي ستقدم العشاء في خلال ساعة ."
أجابته فينيتيا با بتسامة مشرقة : " كلا لن أنسى ذلك . " وقطب أبوها جبينه بحيرة وهي تتقدم إلى جانب كارلو متجهة به نحو الباب الخارجي .
كانت كلماته غامضة متكلفة في مضمونها وهو يقول : " أليس من الأفضل آن تتركي من يدك كوب العصير وتشربيه فيما بعد ؟ فلا أحد سيسرقه منك ."
وكأنها طفلة لم يستطع آن يغريها بقطعة حلوى لكي تذهب , رفضت أن تهزم فوقفت على قمة السلم ومنحته ابتسامة مسرعة وهي تقول له بصوت رقيق : " يمكنك أن تسرق مني أي شيء في أي وقت تشاء ." ووضعت حافة الكوب على شفتيها وعيناها تتألقان بين أهدابها السوداء .
وقال فجأة : " فلنذهب إلى حديقة الماء أذن ." وهزت كتفيها بخفة وقد كرهت هذا الشعور الجديد بعد الثقة . وأخذت تراقبه بعينين غائمتين وهو يضع الكوب باحتراس على حافة الدرابزين ثم يهبط الدرجات إلى الحديقة . تمالكت نفسها ، ثم لحقت به مسرعة مما جعل أحد كعبي حذائها يلتوي .
سألها : " لا أظنك ارتديتِ هذه الملابس لتخرجي بها ! ." وكان صوته من فولاذ ملفوفاً بالحرير وهو ينحيها جانباً بيدين ثابتتين .
استعادت توازنها بشكل كافٍ لتقول له بصوت خافت : " هذا هراء أنها نزهة فقط لقد دخل كعب حذائي في شرخ بين الأحجار ما أسخف هذا . " وتعلقت بذارعه بمثل الشدة التي امسكها هو بها ثم سارا في الممر المرصوف بالحصى .
كان في إمكانها آن تشعر بانسحابه ، وكأن ابتعاده المتعمد ذاك يقصد به ترساً يحتمي وراءه . ولكن هذا لم يقلقها في الواقع . ولماذا تقلق بينما كان في إمكانه آن يستدير عائداً إلى البيت رافضاً الاستمرار في السير لرؤية الحديقة ؟ ولكنه لم يرفض ،
وشعرت بالبهجة لذلك . لقد بقي بجانبها وكان يسير بخطوات قصيرة لتتلاءم مع خطواتها . ابتسمت لنفسها وهي تلقي نظرة خاطفة على جانب وجهه بخطوطه الحازمة المتعالية . انه لم يكن يستغفلها لقد أحست بشيء يختلف كثيراً عن مشاعر القربى وهو يقيم شكلها كما انتابها ذلك الشعور الخلاب بصلة القربى بينهما الذي كان من القوة بحيث لم يكن من المعقول أن لا يكون قد انتبه أليه .
قالت بصوت خفف من حدة الصمت بينهما : " ذاك هو المكان تقريباً ." كانت تريد أن تبين له أنه كان على حق عندما قال أنها لم تكن مرتدية ثيابها للخروج ذلك آن التنورة والكعب العالي لم يكن ليسمحا لها بأن تخطو على تلك الممرات المرصوفة بالحصى أو على المروج الخضراء .
وتابعت كلامها تسأله : " كم ستمكث هنا ؟ ." كانت تكلمه وهي تهبط باحتراس الدرجات الحجرية المغطاة بالطحالب تحت قنطرة في سياج الأشجار العالي الذي يفصل بين الأراضي .
أجاب : " أسبوعين أو ثلاثة ." ورفع كتفيه بعدم اهتمام ولكنها تجاهلت هذا . فإذا كان يتعمد إظهار عدم اهتمامه بها فهي كذلك ستتعمد أن تظهر له أنها لم تلحظ حيلته تلك .
قالت : " انه وقت كاف لكي أريك كل شيء ." ونظرت أليه بعينين تومضان ببارقة أمل إزاء ملامح وجهه العديمة المشاعر وهي تتخيل النزهات الطويلة في الريف وتناولهما العشاء في المطاعم ، وربما رحلات بالسيارة في جبال ويلز .
وسألها : " هل مازلت تذهبين إلى المدرسة ؟ أم انكِ تعملين ؟ " وانتظر بأدب إلى أن هبطت آخر درجة حجرية ، حتى أجابت بمرح : " المدرسة ؟ طبعاً لا ."
متظاهرة بهذا الجواب بأن أيام الدراسة هي ألان ذكرى غائمة بعيدة ،
لا تريد آن تخبره بأن آخر امتحان لها كان منذ ثلاثة أسابيع فقط ، فتذكره بذلك بعمرها الصغير وتابعت تقول : " انظر ها أننا وصلنا . " وكانا قد دخلا كهفاً مليئاً بصوت ورائحة الماء .
ولكن ، لم يبد عليه الاهتمام بحديقة الماء هذه . وألقى عليها نظرة باردة من عينيه السوداوين وهو يسألها :" هل أنت مصممة على العمل ؟ ربما مع الشركة ؟" فأجابت مقطبة جبينها وهي تعض شفتها السفلى :" آه من يعلم ؟ دعنا من الحديث في هذا الموضوع ." ولماذا تضيع الوقت في احتمال عملها في شركة أبيها ، في الوقت الذي لا تريد شيئاً سوى أن تمضي بقية حياتها معه ؟.
نظرت في عينيه بتردد فلم تجد شيئاً سوى عدم الاهتمام والبرود وشعرت في قلبها بطعنة ألم . فهو لا يشعر نحوها حتى بالإعجاب . أتراها عاشت حياتها تحصل على كل شيء تريده دون مجهود لكي تحرم ألان أهم ما تتوق أليه وما تعتبره فوق كل شيء آخر ؟
ارتجفت وهي تشعر بالبرودة تنفذ إلى عظامها واغرورقت عيناها بدموع الخزي قال لها كارلو وقد التوت شفتاه بشبه ابتسامة مرحة : " ان المكان هنا رطب كان عليك أن ترتدي فراءك و أظنك تملكين زوجاً على الأقل ؟ "
ردت عليه بحدة : " املك ستة منها تبعاً لاخر إحصاء ." فقد شعرت بالألم إزاء سلوكه المتعالي الساخر هذا ، ولم تشأ آن تتنازل بأن توضح له أنها تكره الفراء من كل قلبها وأنها تراها ملائمة للحيوانات . لقد استحال اضطراب مشاعرها الذي تملكها منذ وقعت عيناها عليه إلى كراهية محمومة . وانقبضت يداها حتى غرزت أظافرها المصبوغة في راحتيها وقابلت اللوم المتسائل الذي حوته نظرته إليها بعداء واضح إلى آن داخلها الألم . وانعكس شعورها بأنها جرحت في الأعماق من عينيها وهي تخفض بصرها محاولة آن تكبح دموعها المحرقة . لم تكن تعني آن تتطور الأمور بهذا الشكل مطلقاً ! وعاد إليها الشعور بالبرودة الذي لم يكن نتيجة لبرودة الجو أو رطوبته أو البحيرة الساكنة أو الصخور ذات الطحالب ... استدارت بسرعة فالتف شعرها الحريري حول كتفيها وهي تعمل خطواتها نحو الدرجات بينما قلبها يخفق وقد انتابتها غصة في حلقها ولكنه أوقفها عن السير وهو يديرها نحوه بيديه الكبيرتين لتواجهه قائلاً : " إذا أنتِ مشيتِ بهذه السرعة فستقعين وتكسرين رقبتك أو تتلفين حذائك الجميل على الأقل . " وتغير صوته فأصبح أجش وهو يراقب تفاعل مشاعرها على ملامحها الشاحبة لتعصف بعنف في أعماق عينيها الجميلتين .
قالت : " أنني ..... " ولكنها لم تستطع متابعة الكلام وخفضت أهدابها . قال بصوت خشن وقد توتر فمه : " لم اكن اقصد آن أسيء إليك ."
وارتفعت أهدابها إليه وقد تملكها الاضطراب وما رأته في تلك العينين السوداوين جعل قلبها يكف عن الخفقان ورأته يغمض عينيه وسمعت آهة خافتة تخرج من أعماقه ، ثم قال : " هيا بنا قبل أن نتأخر عن موعد العشاء . هيا يا فتاتي الطيبة ."
ومالت فينيتيا برأسها ترمقه بنظرة ظافرة طويلة ثم منحته ابتسامة جذابة وهي تتبعه دون اعتراض . ربما كان يعتبرها فتاة صغيرة . قريباً قريباً جداً ستتمكن من هزمه لتجعله يبدل رأيه فيها .
مع تحياتي للجميع المشرف :فـــــــــــــــــــادي